samedi 7 juin 2014

مهرجان كان 2 : "تنبكتو" لعبد الرحمان سيساكو، تأكيد جديد لمبدع موهوب




تمكنت أخيرا من مشاهدة "تنبوكتو" أثناء عرضه يوم السبت 24 ماي، آخر أيام المهرجان, أدركت حينها كم كان النقاد محقين في دفاعهم عن الشريط. لعبد الرحمان سيساكو مكانة خاصة في المشهد السينمائي الإفريقي، فهو إلى جانب التشادي محمد صالح هارون من أهم مخرجي جيله. اتسمت أعماله منذ بداياته بشاعرية نادرة في السينما الإفريقية لم تثنه على تناول قضايا القارة. وتكمن فعلا قيمته في طبيعة هذا المزج بين جمالية قد تفهم على أنها فلكلور يذكر بالرؤية الإستعمارية أو الإستعمارية الجديدة والحقيقة أن مقاربة سيساكو السينمائية تتجاوز ذلك بكثير, فمن جهة لم يخلو أي عمل من أعماله من بعد سوسيولوجي وسياسي يدلّ على وعي حاد بقضايا الإنسان والشعوب الإفريقية ومن جهة أخرى ـ وهذا أهم ـ يتميز سيساكو بطبيعة نظرته للواقع، من حيث اختياره للمسافة التي تفصله (أوتربطه) بموضوعه. لا يعتمد سيساكو التحليل العلمي لمظاهر المجتمع أو السياسة كما لا يلقي بأحكام انطلاقا من هذا التحليل فهو ينخرط في تيار ما بعد صمبان عصمان كما أنه لا يعتمد اعادة كتابة التاريخ في شكل جديد يؤسس للهوية الإفريقية كما فعل مثلا سليمان سيسي لكنه اختار الدقة في تحديد المسافة التي تمكنه من البحث. فالحركة أساسية في أعماله، حركة الشخصيات التي كثيرا ما تكون في حالة جولان سواء من بلد إلى بلد (روستوف ـ لواندا) أو في مكان واحد (الحياة على الأرض) وحركة الكامرا (حركة الترافلين مهمة جدا في جل افالمه ما يجعله يقترب إلى حد ما من فيم فندرس في مرحلته الأولى)، سيساكو يبحث متنقلا لا ناسخا، متنقلا من موقع إلى موقع لا ناسخا لواقع معلوم، الأمر الذي يعطي للفضاء مكانة مركزية. من هنا يأتي المنحى التشكيلي في جماليته، يأتي من اشتغاله على الفضاء. فالإخراج عنده استكشاف للفضاء، لفضاء القارة
فبالرغم من موضوعه السياسي لا يختلف "تنبوكتو" عن أعماله الأخرى بل تكمن قيمته في قدرة صاحبه الفنية على مقاومة الثقل الإعلامي لمسألة التشدد الديني والإرهاب. لم يراوغ سيساكو في تعرضه للوحشية التي ذهب ضحيتها العديد من البسطاء الذين أجبروا على التخلي على عاداتهم في اللباس والمعاملات اليومية وتعاطي النشاطات الفنية. فلم يمتنع المخرج من تصوير مشاهد في غاية من العنف كرمي المرأة بالحجارة لكن لا سبيل للعنف أن يفرض سلطانه على التوازن العام للشريط. انطلق سيساكو من مأساة عرفها المالي في منطقة تنبكتو وأبى إلا أن يتعرض لها وواجه صعوبات جمة في ذلك وفي الوقت نفسه اختار وجهة نظر بعيدة كل البعد على نمطية وسائل الإعلام, فقوة الشريط تكمن مرة أخرى في المسافة التي حددها موقعُ سكنى الشخصيات الرئيسية. عائلة بسيطة تعيش بعيدا عن المدينة في سكينة البدو، فإذا بخلاف يطرء مع بحار يكون سببا في تدخل سلطة الميليشيات الجهادية. من هنا تبدأ الحكاية. تحكم هذه المسافةُ أساسَ العمل مما مكـّن الراوي من مقاربة مزجت بين السياسة والشاعرية مزجا نادرا في السينما الإفريقية فلم تكن الأحداثُ أصلَ البنية بل جاءت لتخل بنسق نظام داخلي خفِيّ يكشف المخرجُ أحيانا بعضا من جوانبه في لحظات سحرية لا تقدر إلا كامرا سيساكو على التماسها
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الشاب التونسي سفيان الفاني هو من أدار التصوير فأحسن وكان قد تألق من قبل في شريط عبد اللطيف كشيش, فتحية له
كان العديد من النقاد ينتظرون أن يتحصل "تنبكتو" على جائزة وهناك من كان بعتقد أنه يستحق
الجائزة الكبرى لكن مع الأسف لم يتعرض نص لجنة التحكيم حتى لذكر ه  ولكن تلك قضية أخرى


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


قراءة سريعة في قائمة الجوائز :

كانت نتائج مداولات لجنة التحكيم إجمالا فاترة، مخيبة للآمال في جانب ومتناقضة مع انتظارات النقاد في جوانب أخرى
لنقل أولا إنه من العبث إعطاء مسالة الجوائز قيمة أكبر مما تستحق فلا يصح تقييم الأعمال على أساسها كما لا يمكن اعتبارها مرآة صادقة لاختيارات المهرجان الفنية لأنها عادة ما تكون نتيجة أخذ وعطاء بين مختلف أعضاء اللجنة وحصيلة مساومات لا تستفيد منها بالضرورة الأفلام التي فضلها كل عضو على حدة
يبقى أنه خلافا لما حدث السنة الفارطة جاءت الجائزة الأولى أي السعفة الذهبية مغايرة تماما لتوقعات المتابعين : رغم إشادة النقاد بشريط نوري بيلجين جيلان "سبات شتوي"لم يكن هذا الأخير المترشحَ الأكثرَ حظوظا، لكنه من دورة إلى أخرى تأكدت قيمته وبات محلّ إجماع. إذ أكد الشريط أسلوب المخرج الَتركي فلم يخلُ ـ في تقديري الخاص ـ من ثقل ناتج عن استعراض نرجسي(لكنه ذكي) لوعي المخرج بطرافة مقاربته. فطغت مهارة المؤلف على جرأة المبدع.
المفاجأة الأخرى تمثلت في جائزة لجنة التحكيم الكبرى التي كانت من نصيب فلم "الروائع" لإيلتسشا رورفاخر الإيطالية. فبقدر ما كانت الصحافة الفرنسية مرحبةً بالفيلم كان النقاد الإيطاليون أقل تحمسا له، ولكن في كل الحالات لم تكن المخرجة الإيطالية من الأسماء التي تداولتها الألسن في التوقعات الأخيرة, ربما لعب جنس المخرجة هنا دو را اذا اعتبرنا أن رئيسة اللجنة واغلبية اعضاءها نساء ، وحتى في هذه الحال كان بالإمكان اختيار شريط المخرجة اليابانية ناومي كاوزي"الماء دائما" الذي كنت اعتقد شخصيا أنه من أفضل أفلآم المسابقة بل أفضلها. من مفارقات الصدف تقاربُ الفلمين في الموضوع (علاقة الإنسان بالطبيعة) لكن مع اختلاف شاسع في المعالجة فبقدر ما كانت خلفية "الروائع" اجتماعية سياسية معقدة كانت شريط "الماء دائما" مجردا وشعريا ميطافيزيقيا عميقا

ربما أكثر ما لفت الإنتباه وأفضى على قرار اللجنة نوعا من الطرافة هو فوز جون لوك غودار (وداعا للغة) على جائزة لجنة التحكيم الخاصة بالتساوي مع غزافيي دولان الكندي (أمي)، ففي الجمع بين اكبر مخرج وأصغرهم سنا رسالة اعتقدت اللجنة أنها ستنال استحسان الإثنين، قد يستحسنها المخرج السويسري اذا قرأها على أنها تقديرا لديمومة شبابه (ويبدو حسب المنتج ألان صارد أن الأمر كان كذلك) كما قد يستحسنها بدون شك المخرج الكندي ـ وقد صرح بذلك فعلا أثناء حفل الجوائزـ ففي اقتران اسمه بغودار مدعاة للافتخار


أما "فوكس كاتشر" للسينمائي الأمريكي بينت ميلر فقد تحصل على جائزة أفضل اخراج وليس في ذلك ما يدعو للنقد حيث كان الشريط فعلا في درجة عالية من الإتقان الفني ومن الحنكة في الإخراج وإدارة الممثلين. مما أعطى لأسلوبه الكلاسيكي رونقا وأناقة. لا يمكن معرفة ما جال ببال أعضاء لجنة التحكيم لكن في الأمر فائدة بالنسبة للمسؤولين على المهرجان لأن المنتجين الأمريكيين مستاؤون من تقبل كان لأفلامهم اذ عزف كثيرهم عن المشاركة , ربما تكون هذه الجائزة إشارة إيجابية تجعلهم يغيرون رأيهم في الدورات القادمة

تحصل شريط "ليفياتان" للمخرج الروسي آندري زفياجنتسكي على جائزة السيناريو ولكن من الصعب تبرير هذا الإختيار الذي يبدو ناتجا (والقول تخمين شخصي) على مساومات داخل اللجنة لأن كتابة العمل لم تكن بالضرورة أفضل ما يتميز به الشريط. قد تكمن ميزته في عمق نقده للواقع السياسي الروسي وقد يكون ذلك حاسما وهو أرجح لأن البعد الإجتماعي السياسي كان طاغيا على النتائج


أما الأفلام التي لم تتحصل على شيئ والجديرة بالفوز فعددها يتجاوز الثلاث على الأقل, لنا عودة لذلك,

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire