samedi 7 juin 2014

مهرجان كان 1 : الحدث "ماء الفضة" لأسامة محمد وسيماف وئام بدرخان




انطلقت إذا فعاليات مهرجان كان السينمائي في دورته السابعة والستين يوم الإربعاء 14 من شهر ماي. لم أكن على عين المكان وقتها بسبب التزامات (سينمائية أيضا) ما كنت قادرا على تجنبها
شريط الإفتتاح "غراس دي مناكو" لم يمثل حدثا بارزا من الناحية الفنية، كانت ضحالته (الفنية طبعا) محل إجماع النقاد ومتابعي المهرجان ، ولكنه أثار جدلا واسعا، تجاريا في امريكا في علاقة مع الموزع وتاريخيا في فرنسا في علاقة مع العائلة. مهرجان كان ليس مهرجانا فنيا صرفا كما يمكن ان يتبادر للذهن هو مهرجان سينمائي، ثقافي بالأساس أي أن الإعتبارات الإقتصادية والسياسية لا تقل قيمة على الإعتبارات الفنية التي لا تمثل إلا جانبا تتفاوت أهميته من دورة إلى أخرى، من قسم إلى قسم و من شريط إلى شريط
مهرجان كان مؤسسة ثقافية من الطراز العالي تأثيرها كبير على الإختيارات الفنية

إذًا لم أشاهد الشريط ولم أتحسر على ذلك لكن فاتني عرض "تمبكتو" لعبد الرحمان سيساكو المخرج المالي الموريطاني المشهور ولم يـُجدِ انتظاري قرابة الساعة نفعا أمام قاعة "الستين" عند عرضه الثاني في ما يسمى ب"حصص اليوم الموالي"
لنا عودة لهذا الفيلم إثر عرضه في نهاية المهرجان ككل الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية

لكن كم كانت سعادتي كبيرة عندما شاهدت شريط أسامة محمد المخرج السوري "ماء الفضة". حدث في غاية من الأهمية، لحضة مؤثرة جدا لا فقط لأنه يتناول ما يجري بسوريا ومدينة حمص بالتحديد، لا فقط لأن مخرجه واحد من أهم المخرجين السوريين الملتزمين ولكن لقيمته السينمائية العالية
عرف أسامة محمد بأناقته وشدة اهتمامه بالإخراج الفني كما عرف ايضا بالتزامه االسياسي ضد النظام القائم، ولكنه قدم في هذا العمل إضافة سوف تشكل منعرجا في تاريخ السينما العربية. لا بد أولا من الإشارة إلى أن "ماء الفضة" عمل مشترك ساهمت فيه مخرجة سورية كردية اسمها سيماف وئام بدرخان, غادرت مدينة حمص في ضروف عصيبة بعد استرجاعها من قبل الجيش السوري
يقطن أسامة محمد بفرنسا حيث قرر البقاء سنة 2011 بعد اندلاع الإنتفاضة في بلاده, كان وقتها حاضرا بمهرجان كان تحدث عن الوضع بسوريا موجها نقدا عنيفا ضد النظام. وكانت لهجته في مستوى من الشدة جعلت الكثير منأصدقاءه ينصحونه بعدم العودة لبلاده فبقي اذا بفرنسا يتابع الاحداث عن بعد إلى أن وصلته رسالة من سيماف وئام بدرخان تسأله فيها عما كان يمكنه تصويره لو بقي في سوريا, من هنا نشأت فكرة الشريط الذي جاء في شكل تركيب صور مأخوذة من اليوتوب وأخرى التقتها سيماف. صور تعرض شراسة القمع ووحشية الآلة العسكرية. عنف لا يطاق أحيانأ جاءت أيضا في صور نشرتها الدعاية الرسمية لحالات من التعذيب تصعب مشاهدتها
تكمن قيمة العمل في مزج مدهش بين هذه المشاهد المختلفة في نمط المونطاج الذي توخاه أسامة محمد. مشاهد لم يرافقها خطابٌ سياسي مباشر ولكن خطابٌ سينمائي فريد من نوعه، هي مساءلة للسينما للقطة للحقل وللحقل المضاد ، فتحولت محنة الشعب السوري إلى محك لمساءلة الصورة و قدرتها على تمثيل الحدث, كيف يمكن الحديث عن الجمالية في سياق يعجز فيه التعبير . قدم أسامة محمد عملا يرتقي إلى أعلى درجات الإلتزام الفني. لم يتخل كما فعل الكثيرون، لم يتخل عن دوره كمخرج سينمائي ملتزم يمتحن الصورة السينمائية زمن الإنتفاضات العربية، زمن الأنترنيت. لم يقدم بديلا ثوريا لواقع سوريا الآن بل واجه واقع الصورة في أشكالها المعاصرة، جمع صورا روجتها آلة القمع تظهر أشكال التعذيب المتعددة بصور أخرى إلتقتها المخرجة سيماف وئام بدرخان في محاولة جريئة لإعادة شرح اللغة السينمائية
لا يصح استعمال عبارة "سينما المؤلف" في هذا السياق كما لا تصح عبارة "السينما الملتزمة". بعيدا عن هذه المفاهيم التقليدية، "ماء الفضة" مغامرة جديدة في فضاءات غير معهودة تتمثل في إعادة رسكلة صور اليوتوب والشبكات الإجتماعية بحثا عن معادلة جديدة. مواجهة حادة بين الواقع وتصويره ومساءلته من خلال هذا التصوير. بين ارادة المخرج في تركيب الأشياء وسلطة الواقع لحضة انفجاره، صراع مرير بين ذاتية "المؤلف" وموضوعية الحدث يختلط فيه زمن الإبداع المرجأ بزمن الحدث الفوري
امتلأت قاعة" الستين" بالمتفرجين، قبل العرض طلب من أسامة محمد تقديم الفيلم لكنه لبث صامتا دقائق معدودات ثم قال" انتهي" كما لو عجز لسانه عن التعليق, لحضة مؤثرة، في الأثناء لم تتمكن المخرجة بدرخان من الكلام من شدة ما داهمها من ألم ولكنها بعد العرض انطلقت من تلقاء نفسها في مخاطبة الجمهور بالأنجليزية في حالة من التأثر لم تترك للبيان مجالا... كررت مرارا أنها لا ترى الألوان بفرنسا، أن الألوان غابت عن بصرها، وناشدت الجميع بالرجوع إلى أوطانهم مؤكدة عزمها على ذلك


الحدث اللاحدث :"وداعا للغة" لجان لوك غودار

الحدث الاحدث يتمثل في عدم قدوم المخرج السويسري الفرنسيي. أثار رفضه المجيء جدلا يفوق مجيء الكثير من السينمائيين. في حديث خصصه للتلفزة السويسرية تناقلته عديد وسائل الإعلام العالمية أكد غودار عدم قدومه لمهرجان كان, أما في حالة فوزه بالسعفة الذهبية فقال إنه سيسلمها لمستشاره المكلف بالضرائب

عُرض الشريط بالقاعة الكبري للمهرجان المسماة بمسرح لوميار الكبير يوم الإربعاء مع الساعة الرابعة مساء. كان لا بد من الإلتحاق بالصف أمام القاعة قبل ساعة العرض بكثير. عدد المتفرجين لا يحصى, بل لم يتمكن كثيرهم من مشاهدة الشريط
لا يمكن تلخيص "وداعا للغة"، مجازفة كبرى لا يجرأ عليها عاقل, لأن غودار يشتغل في السينما تماما كما يشتغل الرسام أو النحات, ف"وداعا للغة" مثله مثل أعماله السابقة الأخيرة لا يروي حكاية أحداثها متسلسلة بل هي خواطر ترتكز على مادة متعددة الأشكال فيها الألوان والأشكال ومقاطع موسيقية ومقتطفات من كتب عدة لفنانين وفلاسفة, فمعنى الفيلم لا يتشكل على النمط السردي الخطي الذي يعتمد تتابع الأحداث بقدر ما يتأتى من تقاطع عناصر المادة المكونية للفلم. كما لو كنت تشاهد لوحة زيتية أو أثرا منحوتا أو قطعة موسيقية أو كلها مجتمعة
"وداعا للغة" أقرب أفلام غودار للفن التشكيلي أولا لأن الألوان وخاصة الأساسية منها ألأصفر والأزرق و الأحمر تحتل مكانة كبرى في العمل فضلا طبعا عن الإحالات المتعددة لرسامين كموني مثلا, ولكن الجديد في الشريط هو استعمال غودار لأول مرة لتقنية الأبعاد الثلاثة مما يشكل مفارقة حيث تستعمل هذه التقنية في الأفلام الأكثر سردية, ولكن جاء استعماله بعيدا كل البعد عن الأغراض التقليدية فسخرها غودار لا في التأليف السردي وانما في عملية تفكيك قصوى
حتى من حيث المحتوى كان المنهج نفسه : رجل وامرأة لقاء وخصام منزل وطبيعة وأشجار ومياه وغابات، جمع المكونات الأساسية للعالم في محاولة جديدة قديمة
في البحث عن اللغة وعن أسسها , يلتقي شريط غودار بصورة مدهشة مع شريط أسامة محمد ولكن على شاكلة مختلفة أقرب منها إلى المعالجة الفلسفية وإن كان غودار أيضا يسائل عصره من خلال التحولات الكبرى الذي يعيشها, الجديد أيضا في العمل هو مسحة الدعابة الذي اتسم بها الأسلوب, فكانت اقرب شخصية للراوي شخصية روكسي كلب يمثل الخيط الرابط في عملية السرد
كاننا بغودار يرتفع أكثر إلى مستويات من الحرية زادت في ابعاده عن المساحات المعهودة والمنمطة مكتسحا بذلك مجالات جديدة في الخيال السينمائي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire